
في واحدة من أبشع الجرائم التي هزّت الرأي العام، تمكنت السلطات الأمنية والقضائية في وهران من تفكيك شبكة إجرامية مرتبطة بتنظيم إرهابي ينشط خارج الوطن، تورطت في اختطاف وقتل قاصر وطالب جامعي بطريقة وحشية، بهدف ابتزاز عائلات الضحايا للحصول على فدية لتمويل الإرهاب.
بلاغ عن اختفاء وتحقيقات مكثفة
بدأت القضية في 26 فبراير 2025، عندما تلقت نيابة الجمهورية بلاغًا عن اختفاء القاصر “ب.ع.د” البالغ من العمر 15 عامًا في ظروف غامضة. فور ذلك، أسندت المهمة إلى فرقة الجرائم الكبرى بأمن ولاية وهران، التي باشرت تحرياتها بشكل مكثف، نظرًا للطابع الاستعجالي للقضية.
أظهرت التحقيقات الأولية أن الضحية شوهد آخر مرة يوم 24 فبراير بحي البركي رفقة صديقه “ب.ع.ب”، مما دفع المحققين إلى التركيز على تحركات الأخير. وباستخدام الوسائل التقنية الحديثة، تم تتبع هاتف الضحية، حيث تبين أنه كان متواجدًا في بلدية الكرمة يوم اختفائه. كما أظهرت كاميرات المراقبة أن القاصر “ب.ع.ب” كان برفقته في ذلك اليوم، قبل أن يعود بمفرده بعد ساعتين، ما أثار الشكوك حول تورطه في الجريمة.
كشـف مكان الجريمة والعثور على الجثة
بناءً على المعطيات التقنية والميدانية، وسّعت المصالح الأمنية دائرة التحقيق، حيث تم إخضاع عدة أشخاص مقربين من “ب.ع.ب” للاستجواب. في الأثناء، اختفى القاصر المشتبه به هو الآخر، مما زاد من تعقيد القضية. لكن بفضل عمليات التتبع والمراقبة، تمكنت الشرطة من تحديد سكن مشبوه ببلدية الكرمة، كان يتردد عليه القاصر وأفراد من عائلته.
بعد استكمال الإجراءات القانونية، نفذت الجهات الأمنية مداهمة للموقع يوم 13 مارس، حيث تم توقيف شخص كان يشغل المنزل، ليتبين أنه الإرهابي السابق “ع.ض.د”، المعروف بـ”أبو عبد الله الجزائري”، وهو شخص محل بحث بتهم تتعلق بالانتماء إلى تنظيم إرهابي خارج الوطن.
وخلال تفتيش المكان، عُثر على دلائل تشير إلى وقوع جريمة قتل، ليتم إخضاع المشتبه به لتحقيق مكثف. وبمواصلة البحث، وبالاستعانة بالكلاب المدربة التابعة للحماية المدنية، تم العثور على بقايا جثة القاصر “ب.ع.د” مقطعة ومرمية في مفرغة فوضوية ببلدية الكرمة.
طلب فدية انتهى بجريمة مروعة
أوضحت التحقيقات أن الجريمة كانت بدافع الابتزاز، حيث كشف المشتبه به أن القاصر “ب.ع.ب” زوّده بمعلومات تفيد بأن عائلة الضحية ميسورة الحال، وهو ما دفعه إلى التخطيط لاختطافه وطلب فدية مقابل إطلاق سراحه. غير أن الأمور لم تسر كما كان مخططًا، ليتم تصفية الضحية بعد تعذيبه بطريقة بشعة، ثم تقطيع جثته والتخلص منها في أماكن متفرقة.
كشف جريمة أخرى وضحية ثانية
لم تتوقف المفاجآت عند هذا الحد، فبمواصلة التحقيق مع الموقوف، عُثر في هاتفه المحمول على صور لجثة شاب آخر، ليتبين أنه الطالب الجامعي “ع.م”، الذي كان قد اختفى منذ 18 أغسطس 2024.
وبتحليل المعطيات، توصل المحققون إلى أن نفس الشبكة الإرهابية كانت وراء اختطاف “ع.م”، حيث تم استدراجه بنفس الأسلوب، واحتجازه لعدة أيام، قبل تصفيته والتنكيل بجثته، ودفنه في منطقة سان ربي ببلدية سيدي الشحمي. وأظهرت التحقيقات أن عائلة الضحية كانت قد تلقت رسائل تهديد تطالبها بدفع فدية لإطلاق سراحه، لكنها لم تكن تعلم بمصيره.
علاقة الجريمة بتمويل الإرهاب
كشفت التحقيقات أن “ع.ض.د” كان ينشط ضمن تنظيم إرهابي في سوريا، وقضى عقوبة سجن بعد عودته إلى الجزائر، لكنه عاد مجددًا لمزاولة أنشطة إرهابية، حيث كان يعمل على جمع الأموال عبر عمليات الاختطاف، ثم تحويلها لدعم الجماعات الإرهابية في الخارج.
إلقاء القبض على المتورطين وتقديمهم للعدالة
أسفرت التحريات عن توقيف أربعة أشخاص آخرين متورطين في الجريمة، من بينهم زوجة المتهم الرئيسي “م.ف” وأبناؤها الثلاثة، حيث ثبت تورطهم في استدراج الضحايا والمشاركة في الجريمتين.
وبناءً على نتائج التحقيق، تم تقديم المشتبه بهم أمام قاضي التحقيق لدى محكمة وهران، حيث وُجهت إليهم تهم ثقيلة، أبرزها:
- الانخراط في وتمويل جماعة إرهابية تنشط داخل وخارج الوطن.
- الاختطاف والتعذيب بغرض طلب فدية، المفضي إلى القتل.
- الإغتيال مع ارتكاب أعمال وحشية.
- تدنيس وتشويه جثث.
وقد أصدر قاضي التحقيق أوامر بإيداعهم رهن الحبس المؤقت، في انتظار استكمال باقي التحقيقات.
استمرار التحقيقات وتوقيف مشتبه بهم آخرين
لا تزال التحريات مستمرة، حيث تم توقيف أربعة مشتبه بهم آخرين في ولايات تلمسان، البليدة، باتنة وتبسة، يُشتبه في أنهم جزء من شبكة دعم وإسناد لتمويل الجماعات الإرهابية بالخارج.
في انتظار ما ستكشف عنه التحقيقات في الأيام المقبلة، تبقى هذه القضية واحدة من أخطر الجرائم التي شهدتها الجزائر، خاصة مع ارتباطها بالإرهاب الدولي، ما يستدعي تكثيف الجهود الأمنية للقضاء على مثل هذه الشبكات الإجرامية.