بسم الله الرحمن الرحيم والصّلاةُ والسّلامُ على أَشرفِ الـمُرسَلينَ
يحل اليوم الدّولي للتضامن مع الشّعب الفلسطيني هذه السنة في ظرف خاص، جرّاء عدوان الاحتلال الإسرائيلي الغاشم على الشعب الفلسطيني الأعزل، لا سيما في قطاع غزة، والذي دخل عامه الثاني وسط تقاعس دولي صارخ ومُشين عن وضع حدّ لـمخلفاته الفظيعة والتي داس بها ومعها الـمحتل الإسرائيلي على كافة الـمواثيق والأعراف.
وعلى قدر كل هذه الآلام والـمحن الشديدة التي يُكابدها، يصنع الشعب الفلسطيني الشقيق، على درب الشعوب الثائرة والتواقة لحُريتها، معجزته الخاصّة. فهو يأبى التسليم للأمر الواقع، ويهتف بحقوقه من الـمعتقلات والجبال والأنقاض ومن تحت الأراضي ويستمر في مقارعة الحصار والتجويع والقصف والتنكيل بصبر وإباء، وسلاحه في كل هذا إيمانه القوي بعدالة قضيته وبشرعية ومشروعية مطالبه.
إنّنا لا نملك أمام جسامة هذه التضحيات، سوى الوقوف وقفة احترام وإكبار لهذا الشعب الـمكافح والذي يستحق من الـمجتمع الدولي قاطبا انتفاضة حاسمة تصرف عنه مخططات الإبادة الجماعية التي يعمل الـمحتل بكل ما أوتي من طغيان على تطبيقها اليوم في غزة، وإنه لحقيقٌ بنا، نحن محبي السلام العادل، أن نوحّد الجهود وأن ندفع العزائم وأن نشحذ الهمم من أجل تمكين الفلسطينيين من الواقع الـمأمول الذي تحفظه لهم القوانين والشرعية الدولية حفظا تاما غير قابل للتصرف ولا للتقادم، مثلما قضت به محكمة العدل الدولية في فتواها الصادرة بتاريخ 19 جويلية 2024 وأقرته الجمعية العامة للأمم الـمتحدة في قرارها ES.10/24 .
فثمن الصمت والتقاعس أمام الـمأساة الفلسطينية الـماثلة أمامنا باهظ، وسيكون في الغد أبـهظ، وإنّ عدم تمكّن الـمجموعة الدولية من فرض قرارات الشّرعية الدوليّة على الـمحتل الإسرائيلي لا يهدد فقط قواعد منظومة دولية أنشأها آباء حكماء وعملت أجيال متعاقبة على ترسيخها، ولكنه كذلك يدفع نحو تأسيس منظومة منفلتة تحتكم في الـمطلق لـمنطق القوة وتتصحر معها كل موازين العدالة والقانون.
في هذا الظرف القاتم والخطير، تُجدد الجزائر دعمها الثابت والرّاسخ للشّعب الفلسطيني في كفاحه الـمشروع على طريق انتزاع حقه في تقرير الـمصير وإقامة دولته الـمستقلّة والسيّدة على حدود 4 جوان 1967 وعاصمتها القدس الشريف، مثلما تنص عليه قرارات الشّرعية الدّولية.
كما تُشدّد بلادي على ضرورة محاسبة الـمحتل على جرائم الإبادة والحرب والجرائم ضد الإنسانية التي مافتىء يقترفها في حق الشعب الفلسطيني، وتؤكّد رفضها وإدانتها الشديدة لأي محاولة يائسة تستهدف تصفية القضية الفلسطينية من خلال التهجير القسري وتغيير الوضع التاريخي والقانوني لـمدينة القدس الشريف، بكامل مقدساتها الإسلامية والـمسيحية. وستواصل الجزائر، من خلال عضويتها الجارية في مجلس الأمن، الدفاع بصوتٍ عالٍ عن موقفها هذا الـمتسق تماما مع مبادئها الثابتة ومع التزاماتها تُجاه ميثاق الأمم الـمتحدة.
ولا بديل، والعالم يُجمع على ضرورة إرساء حل الدولتين، عن تمكين فلسطين من العضوية الكاملة بمنظمة الأمم الـمتحدة، وقطع الطريق نهائيًا على الـمتطرفين والواهمين الذين يُنكرون حقوق الفلسطينيين الوجودية والوطنية. وهنا تجب الإشادة بالسّياق الحالي الـمطرد للاعتراف الدّولي بالدّولة الفلسطينيّة، ونُشجّع باقي الدول الـمتخلفة عن هذا الركب على اللحاق به والانضمام إلى مسار إحقاق السلام العادل.
إنّ استقرار وأمن الشرق الأوسط مرتبطان ارتباطًا وثيقًا بحل القضية الفلسطينيّة من خلال إنهاءِ الاحتلال، أصل الشرور والعنف، وتمكين الشعب الفلسطيني من حقوقه الثابتة. فلنجعل من يوم التضامن لهذه السنة محطّة لتجديد التزامنا وعزمنا بتجسيد الحل الشّرعي العادل لهذه القضية، فبوحدة دعمنا سيُزهر الشّعب الفلسطيني في نفس الأرض التي يسعى الاحتلال إلى إحراقها.